فصل: الْبَابُ الثَّالِثُ فِي النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(5) أَنَّهُ أَيَّدَ هَذَا بِالْحُجَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْقَاطِعَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ قَدْ لَبِثَ فِيهِمْ عُمُرًا طَوِيلًا مِنْ قَبْلِهِ، وَهُوَ سِنُّ الْإِدْرَاكِ وَالصِّبَا فَالشَّبَابِ حَتَّى بَلَغَ أُشَدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، لَا يَقْرَأُ وَلَا يُقْرِئُ، وَلَا يَتَعَلَّمُ وَلَا يُعَلِّمُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا (أَيِ الْآيَةِ 16) أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَ حُكَمَاءِ التَّارِيخِ بِالتَّجَارِبِ وَالِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ جَمِيعَ مَعَارِفِ الْبَشَرِ الْكَسْبِيَّةِ وَاسْتِعْدَادَهُمْ لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، إِنَّمَا يَظْهَرَانِ وَيَبْلُغَانِ أَوْجَ قُوَّتِهِمَا مِنَ النَّشْأَةِ الْأُولَى إِلَى مُنْتَصَفِ الْعُشْرِ الثَّالِثِ مِنَ الْعُمُرِ، وَلَا يَكُونُ بَعْدَهُ إِلَّا التَّمْحِيصُ وَالتَّكْمِيلُ وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ عِلْمٌ وَلَا بَيَانٌ وَلَا عَمَلٌ إِصْلَاحِيٌّ عَامٌّ دِينِيٌّ أَوْ دُنْيَوِيٌّ إِلَّا بِهَذَا الْوَحْيِ الَّذِي فُوجِئَ بِهِ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْأَرْبَعِينَ، وَيَلِيهَا فِي الْآيَةِ 17 أَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ ظُلْمًا لِنَفْسِهِ مَنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا بِآيَاتِ اللهِ، وَأَنَّهُ مِنَ الْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ لَا يُفْلِحُونَ، فَهَلْ يَرْتَكِبُ هَذَا الظُّلْمَ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا؟ وَلِمَاذَا يَرْتَكِبُهُ وَقَدْ عَرَفَ قُبْحَهُ كَبِيرًا، بَعْدَ أَنْ نَشَأَ عَلَى الْتِزَامِ الصِّدْقِ صَغِيرًا، وَاشْتُهِرَ بِهِ وَبِالْوَفَاءِ عِنْدَ الْمُعَاشِرِينَ، حَتَّى لَقَّبُوهُ بِالْأَمِينِ؟.
(6) فِي الْآيَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلَاثِينَ حِكَايَةٌ عَنِ الْمُشْرِكِينَ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}
وَأَمْرُهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ بِتَحَدِّيهِمْ بِالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَدَعْوَةِ مَنِ اسْتَطَاعُوا مِنْ دُونِ اللهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِلَّا كَانُوا كَاذِبِينَ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُ افْتَرَاهُ؛ إِذْ لَا يُعْقَلُ أَنْ يَفْتَرِيَ الْإِنْسَانُ مَا هُوَ عَاجِزٌ كَغَيْرِهِ عَنْهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا مَعْنَى التَّحَدِّي وَالْعَجْزِ، وَمَوْضُوعَ الْإِعْجَازِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ قِصَارُ السُّوَرِ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا؟ (رَاجِعْ تَفْسِيرَهَا تَجِدْ فِيهِ مَا لَا تَجِدُهُ فِي غَيْرِهِ).
(7 و8) فِي الْآيَةِ 39 ذَكَرَ إِضْرَابَهُمْ عَنِ التَّكْذِيبِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يَتَضَمَّنُهُ ذَلِكَ الْقَوْلُ، إِلَى التَّكْذِيبِ الْمُقَيَّدِ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ، وَفِي الْآيَةِ 40 كَوْنُهُمْ فَرِيقَيْنِ: مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، وَفِي تَفْسِيرِ الْأُولَى مِنْهُمَا تَحْقِيقُ مَعْنَى تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ، وَخَطَأُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ الَّذِينَ اطَّلَعْنَا عَلَى كُتُبِهِمْ فِي فَهْمِ التَّأْوِيلِ بِحَمْلِهِ عَلَى التَّأْوِيلِ الِاصْطِلَاحِيِّ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ، حَاشَ الْإِمَامِ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ.
(9) فِي الْآيَةِ 57 بَيَانُ أَنْوَاعِ إِرْشَادِ الْقُرْآنِ وَإِصْلَاحِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.
(10) فِي الْآيَتَيْنِ 108 و109 وَهُمَا خَاتِمَةُ السُّورَةِ خُلَاصَةُ تَبْلِيغِ الدَّعْوَةِ، وَمَوْضُوعُ الْأُولَى فِي خِطَابِ النَّاسِ كَافَّةً أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَهُمْ مُخْتَارُونَ فِي الِاهْتِدَاءِ بِهِ وَالضَّلَالِ عَنْهُ، وَمَوْضُوعُ الثَّانِيَةِ أَمْرُ الرَّسُولِ بِاتِّبَاعِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ تَبْلِيغًا وَعَمَلًا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ.

.الْبَابُ الثَّالِثُ فِي النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ:

وَفِيهِ فَصْلَانِ:

.الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ وَالرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ:

وَفِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ:
(1) فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ السُّورَةِ إِثْبَاتُ وَحْيِ الرِّسَالَةِ، وَأَنَّ الرُّسُلَ رِجَالٌ مِنَ النَّاسِ، وَأَنَّ وَظِيفَتَهُمُ الْإِنْذَارُ وَالتَّبْشِيرُ، وَأَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يُنْكِرُونَ أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ رُسُلًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَكَانُوا يُسَمُّونَ آيَاتِ الرَّسُولِ إِلَيْهِمْ سِحْرًا وَيُسَمُّونَهُ سَاحِرًا.
(2) فِي الْآيَةِ 13 أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَهْلَكَ الْقُرُونَ (الْأُمَمَ) الْقَدِيمَةَ لَمَّا ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشِّرْكِ وَالْإِجْرَامِ، وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِي التَّبْلِيغِ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَلَمْ يُؤْمِنُوا فَجَزَاهُمْ بِإِجْرَامِهِمْ.
(3) فِي الْآيَةِ 49 أَنَّ الرَّسُولَ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ، لِأَنَّ هَذَا لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالرُّسُلُ فِيهِ كَغَيْرِهِمْ كَمَا تَرَى فِي آيَاتِ تَوْحِيدِهِ.
(4) فِي الْآيَةِ 47 أَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا، فَلَيْسَتِ الرِّسَالَةُ خَاصَّةً بِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا يَدَّعُونَ، وَلَا بِهِمْ وَبِالْعَرَبِ كَمَا تَوَهَّمَ آخَرُونَ، وَالشُّبْهَةُ عَلَى هَذِهِ الْكُلِّيَّةِ أَنَّ أَكْثَرَ أُمَمِ الْأَرْضِ وَثَنِيَّةٌ وَتَوَارِيخُهَا عَرِيقَةٌ فِي ذَلِكَ، كَقُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ وَالْكَلْدَانِيِّينَ وَالْأَشُورِيِّينَ وَالْفُرْسِ وَالْهِنْدِ وَالصِّينِ وَشُعُوبِ الْإِفْرِنْجِ الْقَدِيمَةِ وَكَذَا قُدَمَاءِ أَمْرِيكَةَ. وَجَوَابُهَا أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأُمَمِ لَهَا أَدْيَانٌ قَائِمَةٌ عَلَى الْأَرْكَانِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي بُعِثَ بِهَا جَمِيعُ الرُّسُلِ الْأَوَّلِينَ، وَهِي الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَقَدْ طَرَأَتْ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا التَّقَالِيدُ الْوَثَنِيَّةُ طُرُوءًا كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي مَبَاحِثِ الْوَحْيِ، وَشَوَاهِدُ ذَلِكَ ظَاهِرَةٌ فِي آخِرِ هَذِهِ الْأُمَمِ حَتَّى الْمُسْلِمِينَ.
(5) فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَيْضًا أَنَّ كُلَّ رَسُولٍ عَانَدَهُ قَوْمُهُ قَضَى اللهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ، وَالْآيَاتُ الَّتِي بَعْدَهَا فِي تَكْذِيبِ قَوْمِ نَبِيِّنَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَسَتُذْكَرُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي.
(6) مِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذَا قِصَّةُ نُوحٍ مَعَ قَوْمِهِ فِي خُلَاصَةِ دَعْوَتِهِ لَهُمْ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى تَكْذِيبِهِ، وَإِهْلَاكِ اللهِ إِيَّاهُمْ بِالْغَرَقِ، وَإِنْجَاءِ نُوحٍ وَمَنْ آمَنَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وَجَعْلِهِمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ، وَهِيَ فِي ثَلَاثِ آيَاتٍ 71- 73 وَيَلِيهَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرُّسُلِ الَّذِينَ بُعِثُوا بَعْدَهُ إِجْمَالًا، وَيَلِيهَا قِصَّةُ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، وَغَايَتُهَا أَنَّهُ تَعَالَى أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ أَتْبَعَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَعَهُ بِالْغَرَقِ، وَأَنْجَى مُوسَى وَبَنِي إِسْرَائِيلَ وَجَعَلَهُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ إِلَى حِينٍ، وَهِيَ فِي الْآيَاتِ 75- 93 وَسَنُبَيِّنُ مَا فِي هَاتَيْنِ الْقِصَّتَيْنِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْعِبَرِ فِي قَصَصِ الرُّسُلِ مِنْ تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ-عليه السلام-.
(7) فِي الْآيَةِ 98 الْعِبْرَةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِقَوْمِ يُونُسَ، بِأَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا عَذَابَ الْخِزْيِ وَالِاسْتِئْصَالِ بِعِنَادِهِمْ لِمُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ كَمَا اسْتَحَقَّهُ قَوْمُ يُونُسَ، وَأَنَّهُمْ إِذَا آمَنُوا قَبْلَ وُقُوعِ هَذَا الْعَذَابِ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ كَمَا نَفَعَ قَوْمَ يُونُسَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

.الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي رِسَالَةِ مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسِيرَتِهِ مَعَ قَوْمِهِ وَعَاصِمَةِ بِلَادِهِ:

وَنَجْعَلُ آيَاتِهِ فِي أَحَدَ عَشَرَ نَوْعًا:
(1) فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ الْكَافِرِينَ أَنْكَرُوا دَعْوَةَ نُبُوَّتِهِ، وَعَجِبُوا مِنْهَا أَنْ كَانَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُوحَى إِلَيْهِ، وَسَمُّوا آيَتَهُ سِحْرًا وَنَبَزُوهُ بِلَقَبِ سَاحِرٍ مُبِينٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْوَحْيِ وَعَلَى الرِّسَالَةِ الْعَامَّةِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، وَالْآيَةُ نَزَلَتْ فِيهِ صلى الله عليه وسلم وَشُبْهَةُ السِّحْرِ لَا تُخِيلُ (أَيْ لَا تَشْتَبِهُ؛ مِنْ أَخَالَ الْأَمْرُ إِذَا أَشْكَلَ وَاشْتَبَهَ) فِي الْقُرْآنِ كَالْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ، وَإِنَّمَا قَالُوهُ تَكَلُّفًا وَعِنَادًا.
(2) فِي الْآيَةِ 15 أَنَّهُمُ اقْتَرَحُوا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا الْقُرْآنِ الَّذِي أَعْجَزَهُمْ أَمْرُهُ أَوْ أَنْ يُبَدِّلَهُ، وَفِي الْآيَةِ 16 الرَّدُّ عَلَيْهِمْ بِمَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا، وَيَلِيهَا تَأْيِيدُ الرَّدِّ.
(3) فِي الْآيَةِ 20 اقْتِرَاحُهُمْ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ كَوْنِيَّةٍ وَجَوَابُهُ لَهُمْ: وَفِي الْآيَتَيْنِ 96، 97 أَنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللهِ بِفَقْدِهِمُ الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَانِ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَهُمْ كُلُّ آيَةٍ كَوْنِيَّةٍ مِمَّا اقْتَرَحُوا وَمِمَّا لَمْ يَقْتَرِحُوا.
(4) فِي الْآيَةِ 37 بَيَانُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مُفْتَرًى مَنْ دُونِ اللهِ؛ إِذْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَأَنَّهُ تَصْدِيقٌ لِمَا تَقَدَّمَهُ مِنْ دَعْوَةِ الرُّسُلِ، وَتَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ فِيمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ، فَهُوَ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا رَيْبَ فِيهِ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَدْرِي شَيْئًا مِمَّا نَزَلَ فِيهِ.
(5) فِي الْآيَةِ 38 تَحَدِّي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَالُوا افْتَرَاهُ، وَهُوَ مُطَالَبَتُهُمْ بِالْإِتْيَانِ بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، وَاسْتِعَانَتُهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَنْ يَسْتَطِيعُونَ اسْتِعَانَتَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ تَعَالَى.
(6) فِي الْآيَةِ 39 الْإِضْرَابُ عَنِ التَّكْذِيبِ الْمُطْلَقِ إِلَى التَّكْذِيبِ بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ، وَهُوَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ بِقِسْمَيْهِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ.
(7) فِي الْآيَاتِ 40- 45 أَنَّ مِنْ أُولَئِكَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ، وَمُنَاقَشَةُ الْمُكَذِّبِينَ، وَوَصْفُ حَالِ مَنْ فَقَدُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلْإِيمَانِ بِحَيْثُ لَا يَعْقِلُونَ الدَّلَائِلَ السَّمْعِيَّةَ وَلَا الْبَصَرِيَّةَ، وَإِبْهَامُ أَمْرِ مَا وُعِدُوا بِهِ مِنَ الْعَذَابِ هَلْ يَقَعُ فِي حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بَعْدَ وَفَاتِهِ، وَحِكْمَةُ هَذَا الْإِبْهَامِ لَهُ وَاسْتِعْجَالُهُمْ بِهِ، وَكَوْنُهُمْ يُؤْمِنُونَ بِهِ عِنْدَ وُقُوعِهِ فَلَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ يَوْمَئِذٍ- وَسُؤَالُهُمْ: أَحَقٌّ هُوَ؟ وَجَوَابُهُمْ بِالْقَسَمِ: {إِنَّهُ لَحَقٌّ} لِأَنَّ وَعْدَ اللهِ كُلَّهُ حَقٌّ، وَفِي تَفْسِيرِنَا لَهُ بَيَانُ قِلَّةِ الْكَذِبِ فِي الْعَرَبِ، وَاحْتِرَامُ الْقَسَمِ بِاللهِ تَعَالَى، وَاشْتِهَارُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِمْ مِنْ صِغَرِهِ.
(8) بَعْدَ أَنْ أَيَّدَ اللهُ دَعَوْتَهُ صلى الله عليه وسلم بِقِصَّتَيْ نُوحٍ وَمُوسَى بِالْإِيجَازِ مُفَصَّلَةً، وَذَكَرَ مَنْ بَيْنَهُمَا بِالْإِشَارَةِ الْمُجْمَلَةِ، أَخْبَرَهُ أَنَّ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ عِنْدَهُمْ عِلْمٌ مِنْ ذَلِكَ، فَلَوْ أَنَّهُ كَانَ فِي شَكٍّ مِنْهُ وَسَأَلَهُمْ لَأَجَابُوا: إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِكَوْنِهِ لَا مَوْضِعَ لِلِامْتِرَاءِ بِهِ.
(9) كَانَ صلى الله عليه وسلم يُحْزِنُهُ تَكْذِيبُ قَوْمِهِ لَهُ وَكُفْرُهُمْ بِمَا جَاءَ بِهِ، فَنَهَاهُ اللهُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ 65 وَكَانَ يَتَمَنَّى إِيمَانَهُمْ كُلِّهِمْ فَجَاءَهُ فِي الْآيَاتِ 96- 101 بَيَانُ سُنَّةِ اللهِ فِي اخْتِلَافِ اسْتِعْدَادِ النَّاسِ لِلْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَأَنَّهُ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُمْ كُلَّهُمْ مُؤْمِنِينَ، وَلَكَانُوا غَيْرَ هَذَا النَّوْعِ مِنْ خَلْقِ اللهِ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَشَأْ، وَإِذَنْ لَا يَقْدِرُ الرَّسُولُ وَلَا غَيْرُهُ عَلَى إِكْرَاهِهِمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَنَّ الْآيَاتِ لَا تَنْفَعُ إِلَّا الْمُسْتَعِدِّينَ لِلْإِيمَانِ وَالصَّلَاحِ، وَأَنَّ النَّجَاةَ لِرُسُلِ اللهِ وَمَنْ آمَنَ بِهِمْ بِمُقْتَضَى سُنَّتِهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ.
(10) خَتَمَ السُّورَةَ مِنَ الْآيَةِ 104- 109 بِتَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ إِلَى تَجْرِيدِ التَّوْحِيدِ وَالْعُبُودِيَّةِ الْمَحْضِ، وَكَوْنِ الْحَقِّ قَدْ تَبَيَّنَ، فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ، وَمَنْ ضَلَّ فَعَلَيْهَا، وَإِنَّمَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغٌ لَا وَكِيلٌ لِلَّهِ مُتَصَرِّفٌ فِي أَمْرِ عِبَادِهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ حُكْمَهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ.
(11) إِعْلَامُهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ فِي الْآيَةِ 14 بِأَنَّهُ جَعَلَهُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا بَعْدَ إِهْلَاكِ أَكْثَرِ الْقُرُونِ الْأُولَى مِنْ أَقْوَامِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُعَانِدِينَ لِرُسُلِهِمْ، وَتَحْرِيفِ آخَرِينَ لِأَدْيَانِهِمْ، وَنَسْخِهِ تَعَالَى لِمَا بَقِيَ مِنْهَا بِبِعْثَةِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَنَّهُ يَخْتَبِرُهُمْ بِهَذِهِ الْخِلَافَةِ فَيَجْزِيهِمْ بِمَا يَعْمَلُونَ فِيهَا، وَأَخَّرْنَا هَذَا لِأَنَّهُ ثَمَرَةُ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ فِي الدُّنْيَا كَمَا وَعَدَهُمْ وَأَنْجَزَ وَعْدَهُ لَهُمْ بِشَرْطِهِ فِي الْآيَةِ (24) مِنْ سُورَةِ النُّورِ.

.الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ:

وَنُلَخِّصُ آيَاتِهِ فِي بِضْعَةِ أَنْوَاعٍ:
(1) الآية الرَّابِعَةُ ذِكْرُ رُجُوعِ النَّاسِ جَمِيعًا إِلَى اللهِ رَبِّهِمُ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ بِأَجْنَاسِهِ وَأَنْوَاعِهِ الْمُخْتَلِفَةِ، ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ بِالْقِسْطِ، وَالْكَافِرِينَ بِمَا ذَكَرَهُ إِجْمَالًا، وَبَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِهَا كَوْنَهُ بِالْقِسْطِ أَيْضًا كَمَا تَرَى بَيَانَهُ فِي النَّوْعِ الرَّابِعِ، وَكَوْنَ جَزَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُضَاعَفُ كَمَا ذُكِرَ فِي غَيْرِهَا.
(2) فِي الْآيَاتِ 7- 11 تَفْصِيلٌ لِجَزَاءِ الْفَرِيقَيْنِ، مَعَ تَعْلِيلٍ طَبِيعِيٍّ عَقْلِيٍّ لِتَأْثِيرِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ فِي الْأَنْفُسِ، وِفَاقًا لِلْقَاعِدَةِ الَّتِي قَرَّرْنَاهَا مِرَارًا مِنْ أَنَّ جَزَاءَ الْآخِرَةِ أَثَرٌ لَازِمٌ لِسِيرَتِهَا فِي الدُّنْيَا، بِجَعْلِهَا أَهْلًا بِطَبْعِهَا وَصِفَاتِهَا لِجِوَارِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ أَوْ لِسُخْطِهِ.
(3) فِي الْآيَاتِ 24- 30 تَفْصِيلٌ آخَرُ مُوَضَّحٌ بِضَرْبِ الْمَثَلِ، فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالزِّيَادَةِ فِي جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ عَمَّا يَسْتَحِقُّونَ، وَكَوْنُ جَزَاءِ الْمُسِيئِينَ بِالْمِثْلِ، وَكَوْنُ كُلِّ نَفْسٍ تَبْلُو فِي الْآخِرَةِ مَا أَسْلَفَتْ فِي الدُّنْيَا، لَا يَنْفَعُ أَحَدٌ أَحَدًا بِنَفْسِهِ وَلَا بِعَمَلِهِ.
(4) فِي الْآيَاتِ 45- 56 سِيَاقٌ رَابِعٌ مُفْتَتَحٌ بِالتَّذْكِيرِ بِيَوْمِ الْحَشْرِ، وَتَقْدِيرِ النَّاسِ لِمُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الدُّنْيَا بِسَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ، وَخُسْرَانِ الْمُكَذِّبِينَ بِلِقَاءِ اللهِ، وَتَأْكِيدِ وَعْدِ اللهِ بِهِ، وَاسْتِبْطَائِهِمْ لَهُ، وَاسْتِعْجَالِهِمْ بِهِ، وَاسْتِنْبَائِهِمُ الرَّسُولَ: أَحَقٌّ هُوَ؟ وَحَالِهِمْ عِنْدَ وُقُوعِهِ، وَتَمَنِّيهِمُ الِافْتِدَاءَ مِنْهُ بِكُلِّ مَا فِي الْأَرْضِ، وَإِسْرَارِهِمُ النَّدَامَةَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْعَذَابِ، وَالْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ {وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} وَهَذَا الْأَخِيرُ فِي الْآيَتَيْنِ 47 و54.
(5) فِي الْآيَاتِ 62- 64 ذِكْرُ أَوْلِيَاءِ اللهِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ، {وَأَنَّهُمْ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، وَأَنَّ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
(6) فِي الْآيَتَيْنِ 69 و70 ذِكْرُ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللهِ وَكَوْنِهِمْ لَا يُفْلِحُونَ، لَهُمْ مَتَاعٌ قَلِيلٌ فِي الدُّنْيَا، ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ إِلَى اللهِ فَيُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ.
(7) فِي الْآيَةِ 93 عَقِبَ قِصَّةِ مُوسَى مَعَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَنَجَاةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ هَلَاكِهِمْ، أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ، وَأَنَّ اللهَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.
إِذَا عَدَدْتَ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَجَدْتَهَا تَبْلُغُ زُهَاءَ الثُّلُثِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَلَكِنَّكَ لَا تَشْعُرُ عِنْدَمَا تَقْرَأُ السُّورَةَ أَنَّكَ تُكَرِّرُ مَعْنًى وَاحِدًا فِيهَا يَبْلُغُ هَذَا الْقَدْرَ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ هَذَا الْمَعْنَى فِي قَلْبِكَ وَيَمْلَؤُهُ إِيمَانًا بِلِقَاءِ اللهِ تَعَالَى، وَالْخَوْفِ مِنْ حِسَابِهِ وَعِقَابِهِ، وَالرَّجَاءِ فِي عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَثَوَابِهِ، وَمَا كَانَ التَّكْرَارُ إِلَّا لِأَجْلِ هَذَا، فَهَلْ يَسْتَطِيعُ أَبْلَغُ الْبَشَرِ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلَامٍ كَهَذَا؟ لَا لَا.

.الْبَابُ الْخَامِسُ: فِي صِفَاتِ الْبَشَرِ وَخَلَائِقِهِمْ وَعَادَاتِهِمْ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَسُنَنِ اللهِ فِيهَا:

وَهِيَ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الْأَوَّلُ: الصِّفَاتُ الذَّمِيمَةُ الَّتِي تَجِبُ مُعَالَجَتُهَا بِالتَّهْذِيبِ الدِّينِيِّ:
الْأُولَى: الْعَجَلُ وَالِاسْتِعْجَالُ قَالَ اللهُ تعالى: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} (21: 37) وَقَالَ: {وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} (17: 11) وَمِنْ شَوَاهِدِ هَذِهِ الْغَرِيزَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَوْلُهُ تعالى: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} (11) وَمِنْهَا اسْتِعْجَالُهُمْ بِالْعَذَابِ الَّذِي وَعَدَهُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَرَاهُ فِي سِيَاقِهِ مِنَ الْآيَتَيْنِ 50 و51.
(الثَّانِيَةُ: الظُّلْمُ) قَالَ تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (14: 34) وَقَالَ فِي آيَةِ الْأَمَانَةِ: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} (33: 72) وَمِنَ الشَّوَاهِدِ عَلَى هَذِهِ الْخَلِيقَةِ أَوِ الشِّيمَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مَا تَرَاهُ فِي الْآيَاتِ 44 و85 و106.
(الثَّالِثَةُ: الْكُفْرُ بِاللهِ وَبِنِعَمِهِ) قَالَ تَعَالَى فِي وَصْفِ الْإِنْسَانِ مِنْ سُورَتِهِ سُورَةِ الدَّهْرِ: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (76: 3) وَوَصَفَهُ بِالْكَفُورِ فِي سُورِ الْإِسْرَاءِ وَالْحَجِّ وَالشُّورَى، وَبِالْكَفَّارِ (بِالْفَتْحِ لِلْمُبَالَغَةِ) فِي سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ وَذُكِرَتْ آنِفًا، وَلَكِنَّ ذِكْرَ الْكُفْرِ بِلَفْظِهِ وَمُشْتَقَّاتِهِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ قَلِيلٌ، ذُكِرَ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ الْكَافِرُونَ بِالْوَحْيِ وَالرِّسَالَةِ، وَفِي الْآيَةِ الرَّابِعَةِ جَزَاءُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْآخِرَةِ بِكُفْرِهِمْ، وَذُكِرَ فِي الْآيَةِ 86 فِي دُعَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالنَّجَاةِ مِنْ حُكْمِ الْكَافِرِينَ.
وَأَمَّا ذِكْرُهُ بِالْمَعْنَى فَهُوَ كَثِيرٌ فِيهَا، فَمِنْهُ مَا هُوَ بِلَفْظِ التَّكْذِيبِ وَعَدَمِ الرَّجَاءِ بِلِقَاءِ اللهِ، وَمَا هُوَ بِلَازِمِهِ مِنَ الْفِسْقِ وَالْإِجْرَامِ وَالْبَغْيِ وَالطُّغْيَانِ وَالِاسْتِكْبَارِ، وَكَذَا الظُّلْمِ الَّذِي خَصَصْنَاهُ بِالذِّكْرِ.
(الرَّابِعَةُ: الشِّرْكُ بِاللهِ تَعَالَى) وَهُوَ عَادَةٌ صَارَتْ وِرَاثِيَّةً فِي الْأُمَمِ، وَذُكِرَ فِي الْآيَاتِ 18 و28 و34 و35 و66 و71 وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ كُلِّ مَا تَقَدَّمَ.